تتأمل الكاتبة في مدونتها الشخصية في موقع سايكولوجي توداي كيف يوقظ الحرمان المؤقت من أبسط متع الحياة شعورًا أعمق بالامتنان. تروي تجربتها الأخيرة مع نزلة برد أفقدتها حاستي الشم والتذوق وصوتها لعدة أيام، فتصف كيف تحوّل أول طعم للطعام، وأول رائحة، وأول نغمة تغادر حنجرتها بعد التعافي، إلى لحظات مدهشة تشبه المعجزات الصغيرة. أدركت حينها أن الامتنان ليس دائمًا ممارسة تُفرض علينا بالقوائم والتأكيدات الإيجابية، بل إحساس يُكشف ببساطة عندما نفتقد شيئًا نحبّه.

توضح سايكولوجي توداي أن علم النفس يرى الامتنان أحد أهم مفاتيح الرفاهية النفسية. وتشير مراجعة علمية في عام 2023 إلى أن ممارسة الامتنان من خلال الكتابة أو الرسائل تزيد مستويات السعادة، ولو بدرجة محدودة. لكن الأبحاث تكشف أيضًا أن الامتنان يتغذى على التناقض، أي على تجربة الفقد المؤقت وما يعقبها من استعادة. فعندما يستعيد الإنسان ما حُرم منه، تتنشط دوائر المكافأة في الدماغ بشكل أقوى، ويشعر بفرح حقيقي بالعودة إلى المألوف. إنها ظاهرة “تأثير التباين” التي تفسر لماذا تبدو أول رشفة من القهوة بعد انقطاع لذيذة بشكل لا يُنسى، ولماذا يبدو الصوت أكثر عذوبة بعد فترة صمت طويلة.

ترتبط هذه الفكرة بما يسمى التكيف اللذّي، وهو ميل الدماغ إلى الاعتياد على الأشياء الجميلة حتى يفقد الإحساس بقيمتها. والانقطاع المؤقت المقصود يعيد ضبط هذا الخط الأساس في وعينا، فيجعلنا نرى العادي استثنائيًا من جديد. وتُظهر دراسات أخرى أن الوعي بالغياب أو الفناء يمكن أن يعمّق مشاعر الامتنان؛ فحين يتأمل الإنسان محدودية عمره، يزداد تقديره للحياة ولتفاصيلها البسيطة. وحتى الحزن أو الحرمان الاجتماعي قد يعيدان هذا الإحساس، إذ يكشفان عن قيمة ما يبقى لدينا.

لكن الكاتبة تحذر من أن الحرمان الطويل أو القسري — مثل الفقر والعزلة والمرض المزمن — لا يزرع الامتنان بل يخلق الضغط النفسي. وتشدد على أن الفائدة تتحقق فقط من خلال الحرمان المؤقت المقصود والآمن، بوصفه تمرينًا ذهنيًا لا عقابًا ذاتيًا. تسميه “إعادة ضبط الامتنان في 24 ساعة”، وتقترح تجربة بسيطة:
أن يختار الشخص متعة صغيرة يحبها — كالقهوة أو الموسيقى أو تصفح وسائل التواصل — ويمتنع عنها ليوم واحد، ثم حين يعود إليها، يلاحظ مشاعره بدقة ويكتب كيف تغيّر إحساسه بها. هذا الوعي يجعل اللذة أعمق ويعيد المعنى للتجربة.

وتختم الكاتبة تأملها بفكرة أن الامتنان ليس دائمًا نتاج الإضافة، بل ثمرة النقصان. فبابتعادنا المؤقت عن الأشياء التي نحبها، نراها من جديد بعين أكثر صفاءً. عندما عاد صوتها بعد الشفاء وغنّت من جديد، شعرت وكأن جسدها يحتفل بالحياة ذاتها؛ الأوتار تهتز، والهواء ينساب، والعصبونات تشتعل بتناغم. تقول: “كان الأمر كما لو أن جسدي كله يهمس لي: مرحبًا بعودتك.”

تختم بعبارة تلخص المفارقة: “لكي نذوق، ونشم، ونغنّي، كان عليّ أن أفقد هذه النعم لبضعة أيام فقط لأدرك كم هي ثمينة.”

https://www.psychologytoday.com/us/blog/parenting-from-a-neuroscience-perspective/202510/the-gratitude-paradox-finding-joy-in-going